نحن والاخر
نبيلة اسبانيولي
يزداد النقاش مؤخرا حول ما يسمى "العلاقات اليهودية عربية او النضال المشترك او العمل المشترك" ولذا فقد ارتئينا اهمية فتح باب النقاش حول الموضوع وطرح رؤيتنا كمساهمة منا لبدء النقاش حول الموضوع.
اثبتت التجارب التاريخية ان عصر ابادت الشعوب قد ولى ومضى, وحتى اعتى السياسين واكثرهم عنصرية لم ينجح في ابادة شعب او حتى مجموعة دينية او جنسية او اثنية فقد حاول هتلر ابادة الشعب اليهودي في ما اسماه "الحل النهائي" ولم ينجح كما وحاول تنقية المانيا من كل الاقليات الاثنية مثل الغجر ولم ينجح كما وحاول القضاء على جميع متماثلي الميول الجنسية (ما يسمى لواط) ولم ينجح. ويمكننا تعداد التجارب التاريخية وصولا الى محاولة شارون للقضاء على الشعب الفلسطيني وقيادته في بيروت واستمرارا بمحاولاته اليوم للقضاء على الشعب الفلسطيني عن طريق مواصلة الاحتلال والقضاء على القيادة الفلسطينية والاغلاق والتجويع وما اليه من ممارسات نعرفها جميعا ولن ينجح في القضاء على ارادة شعب يريد ان يعيش بحرية في وطنه.
اذا عرفنا ان عصر الابادة قد ولى اذا فاننا نقف امام حقيقية وهي ان اي حل سياسي سنصل اليه في المنطقة سيبقى علينا يهود وعرب بجوار بعضنا البعض. فان كنا من دعاة الدولتين لشعبين او من دعاة دولة ديمقراطية واحدة او اي طرح اخر فاننا لن نرمي اليهود البحر كما وانهم لن ينجحوا في محونا عن وجه الارض. وحتى وان نجح دعاة الترانسفير في اسرائيل في الوصول الى الحكم وتنفيذ بعض مخطاطتهم في رمينا الى الدول العربية فلن ينجحوا الفلات من الراي العام العالمي ومن الضغط الداخلي. والاخر هنا ليس يهودي فقط بل هناك اخر في داخلنا فكيف نتعامل مع الاخر بيننا وفينا ايضا؟ فاين نحن من اخرنا؟ كيف نتعامل مع الفوارق الدينية والعقائدية والفكرية التى بيننا؟ كيف نتعامل مع الفوارق الحزبية بيننا؟ اسئلة عديدة ترتبط في الموضوع لا بد لنا من فتح باب النقاش والاعتكاس حول استراتيجيتنا في التعامل مع الاخر! ولكننا وعلى الرغم من اهميتها سنحاول هنا التطرق اليها من خلال نقاشنا حول استراتيجيات العمل مع الطرف الاخر اليهودي في هذه الدولة.
ان النقاش حول العلاقات (ونستعمل هنا كلمة علاقات لانها تستطيع ان تحتوي الدلالات المختلفة من عمل, نضالات, لقاءات, تنسيق, تعاون, وما اليه كلها تندرج تحت علاقات) اليهودية العربية اخذ مؤخرا حيز واسع وسياخذ مستقبلا اهتماما متزايدا على ما يبدو فهناك من ينبئنا بان هذا الامر سيؤدي الى فرز بين الجمعيات العربية (راجعوا مقال باسل غطاس 20/8 /2001 ) وكأن الامر المطروح بهذه البساطة فانت مع او ضد. وبما اننا لسنا من متبعي التبسيط و"العليهم" فاننا سنحاول هنا النظر الى الموضوع بجوانبه المختلفة ولذا نستعرض الطروحات المختلفة التى باعتقادنا موجودة اليوم بيننا:
- الطرح الانعزالي
- طرح اللا طرح – الانتهازي
- الطرح المتماهي
- الطرح المتمايزز.
الطرح الانعزالي: وهو الطرح الذي يرفض اقامة علاقات مع الطرف اليهودي ويركز جل جهده للعمل الانعزالي. يدعي مؤيدو هذا الطرح ان عملنا يجب ان يرتكز على العمل العربي المنفصل. ولذا فاننا مطالبون بعدم التعامل مع اي يهودي. ويتفاوت المدافعون عن هذا الطرح بمدى التزمت في الموقف فيعتبر المتزمتون من هؤلاء ان كل يهودي لا بد ان يكون صهيوني ولذا فيجب مقاطعتهم جميعا. بينما يتمايز اخرون من بين الطارحين للموقف الانعزالي ويقبلون العلاقات مع غير الصهاينة من بين اليهود. ينهل المؤيدون لمثل هذا الطرح موقفهم من كون الصهيونية حركة كولنيالية عنصرية وكون الصراع بيننا وبينهم هو صراع تناحري لا يمكن حله الا بالقضاء الكامل على الصهيونية ولذا اي تعامل بنظرهم مع اي شخص او مؤسسة صهيونية يعطيها الشرعية ولذا فلا بد لنا من رفض الدخول الى البرلمان الاسرائلي وما اليه من مؤسسات. ان مؤيدي هذا الطرح لهم رؤيتهم وطرحهم السياسي ويمكننا طرح العديد من الاسئلة عليهم لنقاشهم ومن المهم ان تطرح الاسئلة مثل: كيف يتصورون المستقبل في هذه البلاد؟ كيف يمكننا القضاء على الصهيونية ان لم نعمل على كشف التنقاضات الداخلية؟ هل الصهيونية الممارسة اليوم على ارض الواقع هي نفسها ام ان هنالك تمايز بين الطروحات المختلفة في داخلها؟ هل يجب علينا التعامل مع جميع الحركات الصهيونية بنفس الطريقة؟ ....
طرح الا طرح او الطرح الانتهازي وهذا طرح يتكلم اعضائه بلغات متنوعة حسب المستمعين. فلدى مخاطبتهم لمجموعات عربية فهم يطرحون الموقف المتزمت من بين المواقف السابقة ولدى خطابهم لمجموعات يهودية من ممولين او حتى مجموعات يهودية في العالم فانهم يتبنون موقف الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الانسان. من الملفت للنظر ان متبني هذا الطرح متحدثون يتقنون اللغات المختلفة دون بلبلة بينها ولذا فعلى الرغم من قول العرب "حبل الكذب قصير" فان في هذا الطرح يصبح التحدث في اللغات المختلفة فن يجد له متفرجين ومعجبين!
فعلى سبيل المثال دار النقاش في احدى الجمعيات العربية حول امكانية توظيف عضوة طاقم يهودية على الرغم من انها وفي جميع سنوات حياتها الناضجة كانت معروفة بانها ليست فقط ضد الصيهونية بل مكافحة ومتصدية لها! بينما لم تمتنع هذه الجمعية من تلقي الدعم المادي من مؤسسات "صهيونية" كما لم يثار النقاش عندما توظفت زوجة المدير "اليهودية" في تجنيد الاموال؟.
الطرح المتماهي: التماهي هو ظاهرة نفسية نجدها عند غالبية الاقليات. فقد قام فرنس فانون في ذكرها لدى تعرضه لعلاقات الجزائري مع المحتل ووجد ان هناك بعض الافراد في داخل المجتمع الجزائري ممن تماهو مع المحتل الفرنسي فحاولوا تقليده بكل شيئ كما حاولوا الاندماج التام معه. مثل هؤلاء يصبحوا "كاثوليكيون اكثر من البابا" فكل ما هو صادر عن الاخر هو ايجابي ومرغوب. يرتكز التماهي على شعور ذاتي بالنقص. فالعرب على سبيل المثال بدائيون ولا يرغب هؤلاء بلأتصاف بهذا لذا فاليهود هم الافضل وهم من يرغب هؤلاء التماثل معهم. لقد ذوت هؤلاء دونيتهم وطوروا اليات دفاعية مرضية كالتماهي مع العدو من اجل حل اشكالياتهم وشعورهم بالنقص.
من الواضح ان مثل هؤلاء قلائل في المجتمع ولكن كما في كل نموذج من النماذج المعروضة فان هنالك درجات من التفاوت بين متبعي الطرح. كما وانه من الواضح ايضا ان بعض هذه الطروحات واعية وبعضها غير واعية. خاصة المتماهين منهم فانهم غير واعون لتماهيهم ولذا فهو تماهي مع الاخر وذوبان به وليس فقط تماثل.
الطرح المتاميز: ينطلق هذا الطرح من تقبل الفكرة الاولية التى نوقشت هنا بان اي حل سياسي سنصل اليه في المنطقة سيضمن ضمنه وجود اليهود والعرب الى جانب بعضهم بعض. ينطلق هذا الطرح ايضا من رؤية اممية لا تمييز بين الشعوب المختلفة فلا يوجد شعب ارقى من شعب ولا يوجد شعب معادي لشعب بشكل مطلق. يرفض هذا الطرح اي رؤية عنصرية يهودية كانت ام عربية كردية كانت ام تركية, مسلمة كانت ام مسيحية, رجالية كانت ام نسائية. يتبنى ايضا هذا الطرح فكرة ان للانسان, اي كان , حقوق اساسية يجب احترامها. والحقوق الاساسية يجب ان تتوفر لكل انسان دون شروط. وبناء عليه فالنضال مفتوح لكل من يرغب في النضال ولكل من يرى اهميته ويتفق على شروطه.
يميز هذا الطرح بين المجموعات والفئات المختلفة بين اليهود والصهاينة ويتبنى تكتيكات واستراتيجيات مختلفة بتلائم مع الطروحات والمجموعات.
فلدى نضالنا من اجل دولة لجميع مواطنيها مثلا, الامر الذي يتطلب تخلي اسرائيل عن كونها دولة الشعب اليهودي اي انه نضال ضد صهيونية الدولة, فهنالك يهود معادين للصهيونية تماما مثلي ولذا فهم حلفاء طبيعين لي في النضال من اجل الوصول الى الهدف المعلن او النضال ضد جميع مظاهر التمييز الاحقة بي او بهم. ومعهم اخرج الى جميع النضالات المشتركة (حتى ولو ان عددهم تقلص) فلا تساؤل حول نضالنا المشترك ضد جميع مظاهر التمييز والاضهاد الحكومي او الصهيوني, كما وان مثل هذا النضال هو استراتيجية وليست تكتيك فقط. هدفنا مشترك وهو تغيير في ماهية الدولة وحكمها.
هذا الطرح يرى ان الصهيونية حركة عنصرية كولنيالية وصراعنا معها هو صراع تناحري فلا يمكنني الانضمام الى حزب صهيوني مثلا بل على العكس فاننا نقف ضد كل من ينضم الى حزب صهيوني. ولكن ماذا مع من يعتبون انفسهم صهاينة يساريون او صهاينة ليبراليون او صهاينة ديمقراطيون؟ هل نضعهم جميعا في قالب واحد ونرفض التعامل معهم في اب شأن من الشؤون ام هل يمكنا القيام بنشاطات نضالية مشتركة؟ على الرغم من وعينا الكامل ان هنالك تناقض بين اليسارية والديمقراطية والصهيونية.
مثل هؤلاء يعيشون بمصالحة مع ذاتهم ومع هذا التزاوج الغريب المتناقض فهل علينا رفضهم والقول كلهم صاهينة ام نستطيع العمل معهم بتماييز وتبني تكتيكات مختلفة للعلاقات؟ الطرح المتماييز يتبنى تكتيكات متنوعة. فمنهم من نكون على استعداد للنضال معهم حول مطلب عيني مهم لي ويتبنوه لانهم يعتقدون انه يتلائم مع الفكر الديمقراطي او مع مصالحهم ومنهم من استطيع التنسيق معهم او المشاركة او حتى التواجد لابداء الرأي او النقاش. ومنهم من استطيع ان اصل معهم الى نقاط مشتركة نقوم سوية للنضال من اجلها.
ان الطرح المتامييز لا ينفي اهمية وضرورة العمل المنفصل ايضا. فبناء مؤسسات عربية تهدف الى تطوير البنية التحتية لمجتمعنا كأقلية قومية في هذه البلاد هو امر مهم جدا. فلدى التداول حول تطور الحركة النسوية الفلسطينية في البلاد مثلا من المهم التركيز على المجموعات النسوية الفلسطينية في البلاد, ومن المهم ان يجري التداول بين النسويات الفلسطينيات في البلاد.
ولدى تطوير برنامج للعمل مع الاطفال الفلسطنيون في جيل الروضة حول المساواة بين الجنسين مثلا من المهم ان يطور البرنامج مع طاقم عربي مطلع على الثقافة العربية ويستطيع النهل من مصادرها او تطوير افكار وموارد جديدة تغني هذه الموارد. بينما لدى العمل على استدخال قانون التعليم الزامي لجيل ثلاث سنوات مثلا وبما ان القوانين لا تطور لليهود فقط او للعرب فقط فمن المهم النضال المشترك. وبعد تبني القانون فان متابعة تنفيذ القانون ووضع اليات متساوية لتطبيقه هو من مصلحة الطفل العربي ولكنه نضال ممكن ان يكون مشترك ايضا.
ملاحظة اخيرة ان هذه الطروحات غير مفروزة فرزا واضحا بين الاحزاب المختلفة اذا لم يجري نقاشا مستفيضا حول الموضوع وباعتقادي باننا كمجتمع (على اختلاف انتمائتنا) بحاجة الى تبني توجه يحترم الاختلاف وينضال من اجل حق الفرد او المجموعة ممارسة قناعاته ومعتقداته طالما لا ينفي ذلك حقي ايضا في ممارسة قناعاتي ومعتقداتي.